نور وهداية ومعرفة حقة وروح مليئة بالسكينة وقلب ذاكر لله .. وظلام وضلال وجهل بيٍن ونفوس فيها شركاء متنافسون وقلب يشمئز من ذكر الله .. تلك هي دار الفناء .. يغلب عليها الكثرة، منها من كانت كثرة تدخلك الفردوس برحمه رب الأرباب .. وكثرة تؤول بك إلى الجحيم وبئس المصير.
نقرأ ونتعلم ونذهب ونأتي ونأكل ونشرب ونلعب ونلهو ونعمل ونضحك ونبكي ونشجب ونشجع وندين ونستنكر ونؤيد و........ .. حاوطتنا الكثرة وأوقعتنا في حفر عميقة .. نحاول الصعود لقمة الحفرة لنتخلص منها ونعاود رحلتنا من جديد فمنا من ينجح وأخر يفشل .. وتغمرنا الكثرة.
نبحث ونفكر ونتأمل وندرس آيات الله المسطورة والمنظورة .. قلوبنا تذغ وترجع وتحيا وتشكر الله أحياناً وتنساه أحيان أخرى .. وتنغمس في أسطح الإداراك وتجالس العديد من الناس وتخلو بالله وترجع وتخلو وترجع .. متقلبه دوماً .. ولكن من وراء هذه الكثرة ؟!
نذكر المولى ونحاول الذكر باللسان ثم القلب ثم نفنى عن الذكر تماماً وننسى اننا نذكر ونصل لحالة العارفين، نحاول ونحاول ونحاول، تلك هي الكثرة المُنجيه .. نصلي ونركع ونسجد وندعو الله ويمر عبير الراحه والإنسجام على قلوبنا فنهدأ ونسكن وتدمع أعيننا .. ولكن من مقصدنا؟!
وأحيان أخرى نعصي الله وننسى التوبة ونغفل ونلهو ونلعب وتذغ قلوبنا ولا نرجع إلى الله وتصرخ الفطرة واللطيفة الربانية "القلب" ونسكتهم عنوةً .. وننسى ونغفل ونلهو مجدداً .. تأتينا رسائل الرحمن ولم ترجعنا لصوابنا .. حتى يأتي إبتلاء عظيم يهتز له القلب والوجدان .. منا من يفق ومنا من يكمل مسيرة الغفلة الجماعية التي انطلقت من أسهم الشيطان متجهه إلى نار جنهم وبئس القرار .. لم نكن نعرف حقيتها بالفعل .. مضينا في طريقها خطوة تلو الأخرى بطريقة ممنهجة من قبل الشيطان نجر ورائنا الجسد في مشهد مؤسف .. تقف الفطرة فيه تصرخ حتى الإغماء .. فتحاول رسائل الرحمن إفاقتها .. فتطعنهما النفس الأمارة بالسوء .. تعبت الروح والفطرة واللطيفة الربانية .. حتى وصل صوتهم للنحيب وكاد أن ينقطع .. وتجر النفس الأمارة بالسوء الإنسان ذليلاً إلى حدفته .. كثرة مهلكه!
في طريقي صدمتني رسائل الرحمن وكل صدمة كانت على قدر ذنوبي .. أفيق أحياناً وأغلب الوقت لم أفق .. ومن رسائل الرحمن الجليه معنى "لا إله إلا الله" للدكتور "عبدالحكيم مراد" .. أن نجد وراء هذه الكثرة ... وحده! .. وأن نجد وراء هذه الألغاز ... حل! .. وأن نجد وراء هذا الحس .. معنى! .. وأن وراء هذه الظواهر كلها .. مبدأ خلاق وباقي!، بينما أضاف الشيخ عمرو الورداني أن "كل رقم لا وجود له بغير الواحد، وكل رقم يتغير بالواحد، وهذا يعني أن الأصل الواحد، فالوحدة وراء التغيير ووراء الوجود"!
في حقيقة الأمر قرأتها منذ فترة قليلة وأعجبتني ولكن كان لغزي فهمها فهماً دقيقاً .. وبعدما مررت بعده أبتلاءات كانت على قدر ذنوبي وبعد إرشاد الله عز وجل ثم إرشاد صديقتي "هاجر" توصلت لعدة معاني جعلتني أتأمل وأتفكر .. تفكرت في معنى "وراء هذه الكثرة .. وحدة!" .. حتى أهداني الله وتذكرت كلمة قالها شيخي "معز مسعود" في احدى اللقاءات أنه كان في مؤتمر إسلامي وكان عدد الحضور حوالي 15 ألف شخص وكان يلقي فقرة، وعندما جلس مع أحد المشايخ قال له الشيخ: The Audience is one، أي أن الجمهور واحد، وتذكرت أيضاً كلمة قالها شيخي "عمرو الورداني" رداً على سؤال أرسلته: أن الراحه ليست مقصداً وإنما الله هو المقصد .. أنعم علي الله بربط الكلمتين ببعض .. وأخذت أتفكر في معنى الكثرة والوحدة .. فالوحدة هي مقصدي "الله عز وجل" والكثرة كل أفعالي في دنيتي وما أمر به والأكوان والمجرات وكوكبي والأشياء الجميلة والقبيحة وكل شئ .. الكثرة المنجيه والمهلكه كما ذكرت أعلاه.
"وراء هذه الكثرة .. وحدة" .. ورائها الله .. فمهمتنا التوصل إلى ما وراء الكثرة .. "إنا لله وإنا إليه راجعون" نرجع ونصل إلى الله .. فكرت قليلاً من منطلق أننا يجب أن نتوصل إلى الله من وراء الكثرة .. فأيقنت أن الذي توصل لمعنى أن الله وراء هذه الكثرة .. لم يستطع إرتكاب الذنوب إلا إذا كان قلبه غافلاً عن هذا المعنى .. وطالما كان قلبه حاضراً لن يرتكب أي شئ يغضب المولى عز وجل.
"من ذاق عرف" معنى وراء هذه الكثرة .. وحدة! .. لن يعرف إلا بالمذاق، "نسأل الله أن نذقه" .. حينما نذقه سنُصَدِرْ أشياء ونجعلها أولوياتنا وننحي أشياء جانباً .. لن نحمل هم الرزق والعيش .. سيرتاح القلب والبال سوياً .. سنهدأ ونطمئن .. سنتجنب العديد من المعاصي .. وسنسلم لله ونكن "كريشه في السماء يسيرنا الله كما يشاء" .. سنكون خير أمة أخرجت للناس .. سنحيي تراث الأمة الإسلامية .. سندرك حقيقتنا ونتعرف على أنفسنا بعدما نتعرف على الله .. فعندما ندرك أن الله أكبر سنعرف حينها أننا صغار حقاً لا نقوى على شئ .. سيخرج منا أمهات صالحات وأباء صالحين علماء أجلاء وسيخرج أيضاً محمد الفاتح وصلاح الدين وكل العظماء الذين مَن عليهم الله بالبصيرة وتغير حال هذه الأمة.
مقصدك الله .. فلن تضيع أبداً .. لن تستمر في حاله التوهان البائسة .. لن تشقى ستتمنى الإبتلاء لتتعلم معنى جديداً .. لن تذل لمخلوق بل لله .. ستعيش حياة هادئة ومنسجمه داخلياً لإن مقصدك الله، فمهما حدث فأنت مع الله ولا شيئاً سواه .. ستتعامل برفق مع الناس لإنهم خلق الله فأنت تحب الله وتحب من خلقه الله وتحب نفسك لإنك من صنع الله .. ستصل إلى أعمق نقطة فيك إلى اللطيفة الربانية "ونفخت فيه من روحي .. " ستصل للعالم الأكبر كما قال "الإمام علي" كرم الله وجهه "أتحسب نفسك جرماً صغيراً وفيك إنطوى العالمُ الأكبرُ؟!" .. ستحيا بقلب حي لا مريض ولا ميت .. ستحيا متبعاً لمصادر النور والحق والهداية والرحمه.
أطلت كثيراً ولكن عجزت كلماتي عن وصف شيئاً مما يكمن في صدري .. أشعر بأننا نعيش الآن على سطح إدراكنا نبتعد كثيراً عن ملكوت جميـــــــل لن نعرفه إلا بالتأمل ومصاحبة الشيوخ الأجلاء .. نسأل الله أن ندرك حقيقة معنى "لا إله إلا الله".. "أن نجد وراء هذه الكثرة ... وحده! .. وأن نجد وراء هذه الألغاز ... حل! .. وأن نجد وراء هذا الحس .. معنى! .. وأن وراء هذه الظواهر كلها .. مبدأ خلاق وباقي، وأن كل رقم لا وجود له بغير الواحد، وكل رقم يتغير بالواحد، وهذا يعني أن الأصل الواحد، فالوحدة وراء التغيير ووراء الوجود"!
"تأملوا وتفكروا يرحمكم الله" .. "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {آل عمران: 190-191}"